ماهو التفسير السيسيولوجي لتأثير بعض الأحداث وتحولها إلى لحظات فارقة في تاريخ الشعوب؟
أو بمعنى آخر هل هناك نظرية تشرح العوامل التي تجعل من حدث ما لحظة فارقة، وما العوامل التي تجعل لها أثرا أو تنفي أثرها؟
هناك عدة نظريات ناقشت الكيفية التي تتحول بها الأحداث الثقافية والسياسية وغيرها في حياة الشعوب إلى علامات فارقة في تاريخ المجتمعات، أو إلى أحداث تؤثر على حاضرها ومستقبلها.
لكن النظرية التي أعتقد أنها مرتبطة بالسؤال بصورة أساسية هي للعالم السيسيولوجي جيفري أليكساندر في كتابه Trauma a Social Theory الذي تحدث فيه عن العناصر التي إن تواجدت تحول الحدث إلى "فاجعة" أو صدمة يتم استغلالها ثقافياً أو سياسياً أو اجتماعياً لتغيير مسار الأحداث وربما لإعادة تشكيل هوية مجتمعات بأسرها.
يطلق أليكساندر على هذا الحدث الفاجعة الثقافية cultural trauma ويعرفه بأنه " يطرأ عندما يحس ألإراد مجموعة بشرية ما بأنهم تعرضوا لحدث فظيع يترك أثراً لا يمحى في وعيهم الجمعي، طابعاً ذاكرتهم للأبد و ذو تأثير لا يمكن عكسه ولا مقاومته على مستقبلهم وعلى هويتهم".
حتى يتحول الحدث الصادم إلى فاجعة ثقافية تحقق ذلك التأثير لابد من عملية تشكيل الفاجعة، والتي يتم فيها رأب الصدع بين الحدث في الواقع وتمظهراته في المجتمعات. بدء هذه العملية لا يتم عن طيق المجموعة كلها بل يتصدى له قلة من النخبة التي تأخذ على عاتقها مهمة إشعال فتيل الذاكرة، وهذا هو العنصر الأهم في هذه العملية: الوكلاء أو الوسطاء الاجتماعيون. على هؤلاء الوسطاء رسم صورة للجماعة تفيد بأن هذه الفظاعة قد وقعت، ونشر هذه التصور والفهم في مختلف السياقات وبصور متعددة، ثم المطالبة بالتعويضات أو إعادة بناء ما تم تدميره أخلاقياً ومادياً. هذه المجموعات النخبوية الناقلة يمكن لها أن تكون منطلقة من أي أيديولوجية سياسية أو دينية أو ثقافية، ولكن من الضروري أن تحتل مواقع مؤثرة تسهل عليها عملية تشكيل ونشر هذه التصورات والمطالب.
هناك 4 عناصر رئيسية تحتاج هذه المجموعات تحقيقها حتى تنجح في مهمتها وسأتخذ من فاجعة النكبة نموذجاً: 1- تعريف أثر الفاجعة على الجماعة، أو بمعنى أدق: تحديد مصدر الألم (في الحالة الفلسطينية مثلاً التهجير، التطهير العرقي) 2- تعريف الضحية: الشعب الفلسطيني أثناء الأحداث. 3- تحديد العلاقة بين ضحايا الفاجعة والدائرة الأوسع، أو تحقيق الصلة بين هذه الضحية وغيرها (في حالة الشعب الفسطيني مثلاً نجد أن ضحايا القرى التي وصل إليها التهجير مؤخراً كانوا قد شكلوا صلة بينهم وبين من سبقهم من القرى التي تعرضت للتهجير، فاشتركوا في المصير قبل وقوع الفاجعة. وعلى مستوى أوسع حقق الفلسطينيون الصلات مع الشعوب المجاورة التي عانت من أثر الاحتلال) 4- أخيراً تعيين المسؤولية وإلصاقها بالمجرمين (بطبيعة الحال هنا يكون المجرم هو المحتل. لكن من المثير للاهتمام أنه حتى في الحالة في الفلسطينية نجد صدور روايات تتحدث عن بيع أراضي للمحتل وخروج الفلسطينيين طوعاً. لذلك مهما بدت هذه لخطوات بديهية إلا أنها في الواقع يجب أن تتم بتخطيط ومن قبل عناصر مؤثرة.
النظرية علهيا الكثير من الأمثلة في الكتاب وبالطبع تمت مناقشتها وانتقادها ولكنها تقدم تصور ابتدائي عن العملية.